الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **
قال ابن إسحاق : ولما انقضى شأن الخندق ، وأمر بني قريظة ، وكان سلام بن أبي الحقيق ، وهو أبو رافع فيمن حزّب الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت الأوس قبل أحد قتلت كعب بن الأشرف ، في عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتحريضه عليه ، استأذنت الخزرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل سلام بن أبي الحقيق ، وهو بخيبر ، فأذن لهم . قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عبدالله بن كعب بن مالك ، قال : وكان مما صنع الله به لرسوله صلى الله عليه وسلم أن هذين الحيين من الأنصار ، والأوس والخزرج ، كانا يتصاولان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تصاول الفحلين ، لا تصنع الأوس شيئا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غَناء إلا قالت الخزرج : والله لا تذهبون بهذه فضلا علينا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الإسلام . قال : فلا ينتهون حتى يوقعوا مثلها ؛ وإذا فعلت الخزرج شيئا قالت الأوس مثل ذلك . ولما أصابت الأوس كعب بن الأشرف في عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الخزرج : والله لا تذهبون بها فضلا علينا أبدا ؛ قال : فتذاكروا : مَن رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في العداوة كابن الأشرف ؟ فذكروا ابن أبي الحقيق ، وهو بخيبر ؛ فاستأذنوا رسول الله صلى الله في قتله ، فأذن لهم . فخرج إليه من الخزرج من بني سلمة خمسة نفر : عبدالله بن عتيك ، ومسعود بن سنان ، وعبدالله بن أنيس ، وأبو قتادة الحارث بن ربعي ، وخزاعي بن أسود ، حليف لهم من أسلم . فخرجوا وأمَّر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن عَتيك ، ونهاهم عن أن يقتلوا وليدا أو امرأة ، فخرجوا حتى إذا قدموا خيبر ، أتوا دار ابن أبي الحقيق ليلا ، فلم يدعوا بيتا في الدار إلا أغلقوه على أهله . قال : وكان في عِلِّية له إليها عجلة ، قال : فأسندوا فيها ، حتى قاموا على بابه ، فاستأذنوا عليه ، فخرجت إليهم امرأته ، فقالت : من أنتم ؟ قالوا : ناس من العرب نلتمس الميرة . قالت : ذاكم صاحبكم ، فادخلوا عليه ؛ قال : فلما دخلنا عليه ، أغلقنا علينا وعليها الحجرة ، تخوفا أن تكون دونه مجاولة تحول بيننا وبينه ، قالت : فصاحت امرأته ، فنوهت بنا وابتدرناه ، وهو على فراشه بأسيافنا ، فوالله ما يدلنا عليه في سواد الليل إلا بياضه كأنه قبطية ملقاة . قال : ولما صاحت بنا امرأته ، جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه ، ثم ذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكف يده ، ولولا ذلك لفرغنا منها بليل . قال : فلما ضربناه بأسيافنا تحامل عليه عبدالله بن أنيس بسيفه في بطنه حتى أنفذه ، وهو يقول : قَطْني قطني : أي حسبي حسبي . قال : وخرجنا ، وكان عبدالله بن عتيك رجلا سيئ البصر ، قال : فوقع من الدرجة فوثِئت يده وثئا شديدا - ويقال : رجله ، فيما قال ابن هشام - وحملناه حتى نأتي به منهرا من عيونهم ، فندخل فيه . قال : فأوقدوا النيران ، واشتدوا في كل وجه يطلبوننا ، قال : حتى إذا يئسوا رجعوا إلى صاحبهم ، فاكتنفوه وهو يقضي بينهم . قال : فقلنا : كيف لنا بأن نعلم بأن عدو الله قد مات ؟ قال : فقال رجل منا : أنا أذهب فأنظر لكم ، فانطلق حتى دخل في الناس . قال : فوجدت امرأته ورجال يهود حوله وفي يدها المصباح تنظر في وجهه ، وتحدثهم وتقول : أما والله لقد سمعت صوت ابن عتيك ، ثم أكذبت نفسي وقلت : أنّى ابن عتيك بهذه البلاد ؟ ثم أقبلت عليه تنظر في وجهه ثم قالت : فاظ وإله يهود ؛ فما سمعت من كلمة كانت ألذ إلى نفسي منها . قال : ثم جاءنا الخبر فاحتملنا صاحبنا فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بقتل عدو الله ، واختلفنا عنده في قتله ، كلنا يدعيه . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هاتوا أسيافكم ؛ قال : فجئناه بها ، فنظر إليها فقال لسيف عبدالله بن أنيس : هذا قتله ، أرى فيه أثر الطعام . قال ابن إسحاق : فقال حسَّان بن ثابت وهو يذكر قتل كعب بن الأشرف ، وقتل سلاّم بن أبي الحقيق : لله در عصابة لاقيتهم * يا ابن الحقيق وأنت يا ابن الأشرف يسرون بالبِيض الخفاف إليكم * مرحا كأسد في عرين مغرف حتى أتوكم في محل بلادكم * فسقوكمُ حتفا ببيض ذُفَّفِ مستبصرين لنصر دين نبيهم * مستصغرين لكل أمر مجحف قال ابن هشام : قوله : ( ذُفَّف ) عن غير ابن إسحاق . قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن راشد مولى حبيب بن أبي أوس الثقفي ، عن حبيب بن أبي أوس الثقفي ، قال : حدثني عمرو بن العاص من فيه ، قال : لما انصرفنا مع الأحزاب عن الخندق جمعت رجالا من قريش ، كانوا يرون رأيي ، ويسمعون مني ، فقلت لهم : تعلمون والله أني أرى أمر محمد يعلو الأمور علوا منكرا ، وإني قد رأيت أمرا ، فما ترون فيه ؟ قالوا : وماذا رأيت ؟ قال : رأيت أن نلحق بالنجاشي فنكون عنده ، فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي ، فإنا أن نكون تحت يديه أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمد ، وإن ظهر قومنا فنحن من قد عرفوا ، فلن يأتينا منهم إلا خير ، قالوا : إن هذا الرأي ، قلت : فاجمعوا لنا ما نهديه له ، وكان أحب ما يُهدى إليه من أرضنا الأدم . فجمعنا له أدما كثيرا ، ثم خرجنا حتى قدمنا عليه . فوالله إنا لعنده إذ جاءه عمرو بن أمية الضمري ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه إليه في شأن جعفر وأصحابه . قال : فدخل عليه ثم خرج من عنده . قال : فقلت لأصحابي : هذا عمرو ابن أمية الضمري ، لو قد دخلت على النجاشي وسألته إياه فأعطانيه ، فضربت عنقه ، فإذا فعلت ذلك رأت قريش أني قد أجزأت عنها حين قتلت رسول محمد . قال : فدخلت عليه فسجدت له كما كنت أصنع ، فقال : مرحبا بصديقي ، أهديت إلي من بلادك شيئا ؟ قال : قلت : نعم ، أيها الملك ، قد أهديت إليك أدما كثيرا ؛ قال : ثم قربته إليه ، فأعجبه واشتهاه ، ثم قلت له : أيها الملك ، إني قد رأيت رجلا خرج من عندك ، وهو رسول رجل عدو لنا ، فأعطينه لأقتله ، فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا ؛ قال : فغضب ، ثم مد يده فضرب بها أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره ، فلو انشقت لي الأرض لدخلت فيها فرقا منه ؛ ثم قلت له : أيها الملك ، والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه ؛ قال : أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لتقتله ! قال : قلت : أيها الملك ، أكذاك هو ؟ قال : ويحك يا عمرو ! أطعني واتبعه ، فإنه والله لعلى الحق ، وليظهرنَّ على من خالفه ، كما ظهر موسى على فرعون وجنوده ؛ قال : قلت : أفتُبايعني له على الإسلام ؟ قال : نعم ، فبسط يده ، فبايعته على الإسلام ، ثم خرجت إلى أصحابي وقد حال رأيي عما كان عليه ، وكتمت أصحابي إسلامي . ثم خرجت عامدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسلم ، فلقيت خالد بن الوليد ، وذلك قبيل الفتح ، وهو مقبل من مكة ؛ فقلت : أين يا أبا سليمان ؟ قال : والله لقد استقام المنسِم ، وإن الرجل لنبي ، أذهب والله فأسلم ، فحتى متى ؟ قال : قلت : والله ما جئت إلا لأسلم . قال : فقدمنا المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتقدم خالد بن الوليد فأسلم وبايع ، ثم دنوت ، فقلت : يا رسول الله ، إني أبايعك على أن يُغفر لي ما تقدم من ذنبي ، ولا أذكر ما تأخر ؛ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عمرو ، بايع ، فإن الإسلام يجَبُّ ما كان قبله ، وإن الهجرة تجب ما كان قبلها ؛ قال : فبايعته ، ثم انصرفت . قال ابن هشام : ويقال : فإن الإسلام يحتُّ ما كان قبله ، وإن الهجرة تحتُّ ما كان قبلها . قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم : أن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة ، كان معهما ، حين أسلما . قال ابن إسحاق : فقال ابن الزِّبَعْرَى السهمي : أنشد عثمان بن طلحة حلفنا * ومُلقَى نعال القوم عند المُقبَّلِ وما عقد الآباء من كل حلفه * وما خالد من مثلها بمحلَّلِ أمفتاح بيت غير بيتك تبتغي * وما يُبتغى من مجد بيت مؤثَّلِ فلا تأمننَّ خالدا بعد هذه * وعثمان جاء بالدُّهيم المُعضَّلِ وكان فتح بني قريظة في ذي القعدة وصدر ذي الحجة ، وولي تلك الحجة المشركون . قال ابن إسحاق : حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام ، قال : حدثني زيد بن عبدالله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي ، قال : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ذا الحجة والمحرم وصفرا وشهري ربيع ، وخرج في جمادى الأولى على رأس ستة أشهر من فتح قريظة ، إلى بني لحيان يطلب بأصحاب الرجيع : خبيب بن عدي وأصحابه ، وأظهر أنه يريد الشام ، ليصيب من القوم غِرَّة . فخرج من المدينة صلى الله عليه وسلم ، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم ، فيما قال ابن هشام . قال ابن إسحاق : فسلك على غُراب ، جبل بناحية المدينة على طريقه إلى الشام ، ثم على محيص ، ثم على البتراء ، ثم صفَّق ذات اليسار ، فخرج على بِيْن ، ثم على صخيرات اليمام ، ثم استقام به الطريق على المحجة من طريق مكة ، فأغذّ السير سريعا ، حتى نزل على غُرّان ، و هي منازل بني لحيان ، وغران واد بين أمج وعسفان ، إلى بلد يقال له : ساية ، فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رءوس الجبال . فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخطأه من غرتهم ما أراد ، قال : لو أنا هبطنا عسفان لرأى أهل مكة أنا قد جئنا مكة ، فخرج في مئتي راكب من أصحابه حتى نزل عسفان ، ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كُراع الغميم ، ثم كر وراح رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا . فكان جابر بن عبدالله يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين وجه راجعا : آبيون تائبون إن شاء الله لربنا حامدون ، أعوذ بالله من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، وسوء المنظر في الأهل والمال . والحديث في غزوة بني لحيان ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، وعبدالله ابن أبي بكر ، عن عبدالله بن كعب بن مالك ؛ فقال كعب بن مالك في غزوة بني لحيان : لو انَّ بني لحيان كانوا تناظروا * لقوا عُصبا في دارهم ذات مَصْدَقِ لقوا سَرَعانا يملأ السَّرْب روعه * أمام طَحُون كالمجرة فَيْلقِ ولكنهم كانوا وِبارا تتَّبعت * شعاب حجاز غير ذي مُتنفَّق ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فلم يُقم بها إلا ليالي قلائل ، حتى أغار عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري ، في خيل من غطفان على لقاح لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة ، وفيها رجل من بني غفار وامرأة له ، فقتلوا الرجل ، واحتملوا المرأة في اللِّقاح . قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبدالله بن أبي بكر ، ومن لا أتهم ، عن عبدالله بن كعب بن مالك ، كل قد حدث في غزوة ذي قَرَد بعض الحديث : أنه كان أول من نذر بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي ، غدا يريد الغابة متوشحا قوسه ونبله ، ومعه غلام لطلحة بن عبدالله معه فرس له يقوده ، حتى إذا علا ثنية الوداع نظر إلى بعض خيولهم ، فاشرف في ناحية سلع ، ثم صرخ : واصباحاه ، ثم خرج يشتد في آثار القوم ، و كان مثل السبع حتى لحق القوم ، فجعل يردهم بالنبل ، ويقول إذا رمى : خذها وأنا ابن الأكوع ، اليوم يوم الرُّضَّع ، فإذا وُجِّهت الخيل نحوه انطلق هاربا ، ثم عارضهم ، فإذا أمكنه الرمي رمى ، ثم قال : خذها وأنا ابن الأكوع ، اليوم يوم الرضع ، قال : فيقول قائلهم : أُوَيْكعنا هو أول النهار . قال : وبلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صياحُ ابن الأكوع ، فصرخ بالمدينة الفزع الفزع ، فترامت الخيول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان أول من انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفرسان : المقداد بن عمرو ، وهو الذي يقال له : المقداد بن الأسود ، حليف بني زهرة ؛ ثم كان أول فارس وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد المقداد من الأنصار ، عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعوراء ، أحد بني عبدالأشهل ؛ وسعد بن زيد ، أحد بني كعب بن عبدالأشهل ؛ وأسيد بن ظُهير ، أخو بني حارثة بن الحارث ، يشك فيه ؛ وعُكَّاشة بن محصن ، أخو بني أسد بني خزيمة ؛ ومحُرز بن نضلة ، أخو بني أسد بن خزيمة ؛ وأبو قتادة الحارث بن ربعي ، أخو بني سلمة ؛ وأبو عياش ، وهو عبيد بن زيد بن الصامت ، أخو بني زريق . فلما اجتمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّر عليهم سعد بن زيد ، فيما بلغني ، ثم قال : اخرج في طلب القوم ، حتى ألحقك في الناس . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني عن رجال من بني زريق ، لأبي عياش : يا أبا عياش ، لو أعطيت هذا الفرس رجلا ، هو أفرس منك فلحق بالقوم ؟ قال أبو عياش : فقلت : يا رسول الله ، أنا أفرس الناس ، ثم ضربت الفرس ، فوالله ما جرى بي خمسين ذراعا حتى طرحني ، فعجبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لو أعطيته أفرس منك ، وأنا أقول : أنا أفرس الناس . فزعم رجال من بني زريق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى فرس أبي عياش معاذ بن ماعص ، أو عائذ بن ماعص بن قيس بن خلدة ، وكان ثامنا ، وبعض الناس يعد سلمة بن عمرو بن الأكوع أحد الثمانية ، ويطرح أسيد بن ظهير ، أخا بني حارثة ، والله أعلم أي ذلك كان . ولم يكن سلمة يومئذ فارسا ، وقد كان أول من لحق بالقوم على رجليه . فخرج الفرسان في طلب القوم حتى تلاحقوا . قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمرو بن قتادة : أن أول فارس لحق بالقوم محرز بن نضلة ، أخو بني أسد بن خزيمة - وكان يقال لمحرز : الأخرم ؛ ويقال له : قُمير - وأن الفزع لما كان جال فرس لمحمود بن مسلمة في الحائط ، حين سمع صاهلة الخيل ، وكان فرسا صنيعا جامّا ، فقال نساء من نساء بني عبدالأشهل ، حين رأين الفرس يجول في الحائط بجذع نخل هو مربوط فيه : يا قمير ، هل لك في أن تركب هذا الفرس ؟ فإنه كما ترى ، ثم تلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين ؟ قال : نعم ، فأعطيناه إياه . فخرج عليه ، فلم يلبث أن بذّ الخيل بجمامه ، حتى أدرك القوم ، فوقف لهم بين أيديهم ، ثم قال : قفوا يا معشر بني اللَّكيعة حتى يلحق بكم مَن وراءكم من أدباركم من المهاجرين والأنصار . قال : وحمل عليه رجل منهم فقتله ، وجال الفرس ، فلم يقدر عليه حتى وقف على آرِيِّه من بني عبدالأشهل ، فلم يُقتل من المسلمين غيره . قال ابن هشام : وقتل يومئذ من المسلمين مع محرز ، وقَّاص بن مجُزّز المُدلجي ، فيما ذكر غير واحد من أهل العلم . قال ابن إسحاق : وكان اسم فرس محمود : ذا اللمَّة . قال ابن هشام : وكان اسم فرس سعد بن زيد : لاحق ؛ واسم فرس المقداد : بَعْزَجة ؛ ويقال ؛ سبحة ، واسم فرس عُكاشة بن محصن : ذو اللَّمة ؛ واسم فرس أبي قتادة : حَزْوة ؛ وفرس عباد بن بشر : لَمَّاع ، وفرس أسيد بن ظهير : مسنون ؛ وفرس أبي عياش : جُلوة . قال ابن إسحاق : وحدثني بعض من لا أتهم عن عبدالله بن كعب بن مالك : أن مجُزّزا إنما كان على فرس لعكاشة بن محصن ، يقال له : الجناح ، فقُتل مجزز واستُلبت الجناح . ولما تلاحقت الخيل قَتل أبو قتادة الحارث بن ربعي ، أخو بني سلمة ، حبيب بن عيينة بن حصن ، وغشَّاه برده ، ثم لحق بالناس . وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين . قال ابن هشام : واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم . قال ابن إسحاق : فإذا حبيب مسجَّى ببرد أبي قتادة ، فاسترجع الناس وقالوا : قتل أبو قتادة ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس بأبي قتادة ، ولكنه قتيل لأبي قتادة ، وضع عليه برده ، لتعرفوا أنه صاحبه . وأدرك عكاشة بن محصن أوبارا وابنه عمرو بن أوبار ، وهما على بعير واحد ، فانتظمهما بالرمح ، فقتلهما جميعا ، واستنفذوا بعض اللقاح ، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بالجبل من ذي قرد ، وتلاحق به الناس ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم به ، وأقام عليه يوما وليلة ؛ وقال له سلمة بن عمرو بن الأكوع : يا رسول الله ، لو سرحتني في مائة رجل لاستنقذت بقية السرح ، وأخذت بأعناق القوم ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني : إنهم الآن ليُغْبَقُون في غطفان . فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه في كل مائة رجل جزورا ، وأقاموا عليها ، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا حتى قدم المدينة . وأقبلت امرأة الغفاري على ناقة من إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى قدمت عليه فأخبرته الخبر ، فلما فرغت ، قالت : يا رسول الله ، إني قد نذرت لله أن أنحرها إن نجاني الله عليها ؛ قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : بئس ما جزيتها أن حملك الله عليها ونجاك بها ثم تنحرينها ! إنه لا نذر في معصية الله ولا فيما لا تملكين ، إنما هي ناقة من إبلي ، فارجعي إلى أهلك على بركة الله . والحديث عن امرأة الغفاري وما قالت ، وما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن أبي الزبير المكي ، عن الحسن بن أبي الحسن البصري : وكان مما قيل من الشعر في يوم ذي قرد قول حسَّان بن ثابت : لولا الذي لاقت ومس نسورها * بجنوب ساية أمسِ في التَّقْوادِ لَلَقِينكم يحملن كل مدجج * حامي الحقيقة ماجد الأجداد ولَسرَّ أولاد اللقيطة أننا * سِلْم غداة فوارس المقداد كنا ثمانية وكانوا جحفلا * لجبا فشُكُّوا بالرماح بَداد كنا من القوم الذين يلونهم * ويُقدّمون عنان كل جواد كلا ورب الراقصات إلى منى * يقطعن عرض مخارم الأطواد حتى نُبيل الخيل في عرصاتكم * ونؤوب بالملكات والأولاد رَهْوا بكل مقلَّص وطمرَّة * في كل معترك عطفن و وادي أفنى دوابرها ولاح متونها * يوم تُقاد به ويوم طراد فكذاك إن جيادنا ملبونة * والحرب مشعلة بريح غواد وسيوفنا بيض الحدائد تجتلي * جُنَنَ الحديد وهامة المرتاد أخذ الإله عليهمُ لحرامه * ولعزة الرحمن بالأسداد كانوا بدار ناعمين فبُدّلوا * أيام ذي قرد وجوه عباد قال ابن هشام : فلما قالها حسَّان غضب عليه سعد بن زيد ، وحلف أن لا يكلمه أبدا ؛ قال : انطلق إلى خيلي وفوارسي فجعلها للمقداد ! فاعتذر إليه حسَّان وقال : والله ما ذاك أردت ، ولكن الروي وافق اسم المقداد ؛ وقال أبياتا يُرضي بها سعدا : إذا أردتم الأشد الجَلْدا * أو ذا غناء فعليكم سعدا سعد بن زيد لا يُهدّ هَدّا * فلم يقبل منه سعد ولم يُغْن شيئا . وقال حسَّان بن ثابت في يوم ذي قرد : أظنَّ عيينة إذ زارها * بأن سوف يهدم فيها قصورا فأُكذبتَ ما كنت صدَّقته * وقلتم سنغنم أمرا كبيرا فعفت المدينة إذ زرتها * وآنست للأسد فيها زئيرا فولوا سراعا كشد النعام * ولم يكشفوا عن ملطٍّ حصيرا أمير علينا رسول المليك * أحبب بذاك إلينا أميرا رسول نصدق ما جاءه * ويتلو كتابا مضيئا منيرا وقال كعب بن مالك في يوم ذي قرد للفوارس : أتحسب أولاد اللقيطة أننا * على الخيل لسنا مثلهم في الفوارس وإنا أناس لا نرى القتل سبة * ولا ننثني عند الرماح المداعس وإنا لنقري الضيف من قمع الذرا * ونضرب رأس الأبلخ المتشاوس نردّ كماة المعلمين إذا انتخوا * بضرب يسلِّي نخوة المتقاعس بكل فتى حامي الحقيقة ماجد * كريم كسرحان الغضاة مخالس يذودون عن أحسابهم وتلادهم * ببيض تقد الهام تحت القوانس فسائل بني بدر إذا ما لقيتهم * بما فعل الإخوان يوم التمارس إذا ما خرجتم فاصدقوا من لقيتم * ولا تكتموا أخباركم في المجالس وقولوا زللنا عن مخالب خادر * به وَحَر في الصدر ما لم يمارس قال ابن هشام : أنشدني بيته : ( وإنا لنقري الضيف ) أبو زيد . قال ابن إسحاق : وقال شداد بن عارض الجشمي ، في يوم ذي قرد : لعيينة بن حصن ، وكان عيينة بن حصن يكنى بأبي مالك : فهلا كررت أبا مالك * وخيلك مدبرة تقتل ذكرت الإياب إلى عسجر * وهيهات قد بعد المقفل وطمنت نفسك ذا ميعة * مِسحّ الفضاء إذا يرسل إذا قبَّضتْه إليك الشما * ل جاش كما اضطرم المرجل فلما عرفتم عباد الإلـ*ـه لم ينظر الآخر الأول عرفتم فوارس قد عودوا * طراد الكماة إذا أسهلوا إذا طردوا الخيل تشقى بهم * فضاحا وإن يُطردوا ينزلوا فيعتصموا في سواء المُقا * مِ بالبيض أخلصها الصيقل
|